خمس سنوات على رحيل الكاردينال الكوبي أورتيغا
كان الكاردينال أورتيغا يقول إنه كان محظوظا لكونه رئيس الأساقفة الوحيد الذي استضاف في مقره ثلاثة أحبار أعظمين، في إشارة إلى البابا يوحنا بولس الثاني الذي زار هافانا في العام ١٩٩٨ والبابا بندكتس السادس عشر في العام ٢٠١٢ والبابا فرنسيس، الذي كانت تربطه فيه علاقة صداقة وتعاون طويلة الأمد والذي زار الجزيرة مرتين في العام ٢٠١٥ ثم في العام ٢٠١٦ حيث كان له لقاء تاريخي مع بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل. تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة لرحيل الكاردينال الكوبي الذي خدم الكنيسة المحلية طيلة نصف قرنٍ، وكان رئيس أساقفة على سان كريستوبال دي لا هابانا لمدة خمس وثلاثين سنة وكاردينالا لمدة خمس وعشرين سنة. وقد تميّز بالخدمة الرعوية تجاه العلمانيين، لاسيما الشبان، وباهتمامه الكبير بالدعوات والتنشئة الكهنوتية، والشهادة للمحبة حيال الأشخاص الفقراء والمهمشين، وعمله الدؤوب في سبيل الكرازة بالإنجيل لاسيما من خلال إنشاء رعايا جديدة، وإعادة إعمار وترميم أكثر من أربعين كنيسة، فضلا عن دعمه للمنشورات الكاثوليكية المحلية. للمناسبة نشرت صحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية مقالاً سلطت فيه الضوء على شخصية الكاردينال الراحل، وكتبت أنه كان رجل حوارٍ، قادرٍ على الحفاظ على الكنيسة حية في كوبا، خلال السنوات الصعبة التي عاشتها البلاد، وكان من بين رواد التقارب بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية الذي شاءه البابا فرنسيس بشدة، وتحقق في أواخر العام ٢٠١٤ بفضل جهود الوساطة التي قام بها أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين. ورأى الشعب الكوبي في الراحل كاردينالا ساهم في إزالة الجليد من على العلاقات الأمريكية الكوبية، وقد حظي نيافته أيضا باحترام كبير من قبل السلطات الكوبية التي خصته بتشييع رسمي. القواسم المشتركة بين الكاردينال أورتيغا والبابا فرنسيس كثيرة. فكلاهما من أصول أمريكية لاتينية، ويجمعهما تآزر في العمل الرعوي يشمل مختلف أبعاد الحياة ورسالة الكنيسة في القارة. وليس من قبيل الصدفة أن الكاردينال الراحل طلب من برغوليو نسخة من المداخلة المرتجلة التي ألقاها خلال إحدى الجمعيات العامة للكرادلة التي سبقت الكونلاف في آذار مارس ٢٠١٣، لكونها تتماشى تماماً مع فكره بشأن الكرازة بالإنجيل، التي ينبغي أن تكون علة وجود الكنيسة. وقد سلّمه البابا هذه النسخة، بعد انتخابه حبراً أعظم وأذن له بنشرها. تذكّر الصحيفة الفاتيكانية بأن الكاردينال أورتيغا أبصر النور في جاغي غراندي، بمحافظة ماتانزاس، في الثامن عشر من تشرين الأول أكتوبر ١٩٣٦. في سن الخامسة عشرة، وبعد حوار أجراه مع أحد الآباء الكرمليين، قرر الالتحاق بالإكليريكية التابعة لأبرشيته. وبعد أن أنهى دروسه سيم كاهناً في العام ١٩٦٤. بعد سنتين تم اعتقاله لمدة ثمانية أشهر، وتمكن خلال تلك الفترة من الاحتفال بالقداس بشكل سري مستخدماً كوباً من الألومينيوم بدل الكأس. بعد خروجه من المعتقل عُين كاهناً في الرعية حيث مسقط رأسه، ثم في كاتدرائية ماتانزاس، وخدم أيضا رعيتين في ضواحي المدينة بسبب النقص في عدد الكهنة. وكان في تلك السنوات رئيساً للجنة الأبرشية للتعليم الديني، مطلقاً حركة شبابية، قامت بمبادرات ونشاطات عدة من بينها مخيمات صيفية وعروض مسرحية تهدف إلى الكرازة بالإنجيل. في السابع عشر من كانون الأول ديسمبر ١٩٧٨ عُين أسقفاً على أبرشية بينار ريو، وكانت تلك أولى التعيينات التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني بعد انتخابه، ونال أورتيغا سيامته الأسقفية في الرابع عشر من كانون الثاني يناير ١٩٧٩ في كاتدرائية ماتانزاس من يد السفير البابوي في هافانا المطران ماريو تاليافيرّي. في العام ١٩٨١ عُين رئيس أساقفة على سان كريستوبال دي لا هابانا. وحاول من خلال نشاط رعوي دؤوب استمر لأكثر من ثلاثين عاماً أن يُعيد الأمل إلى واقع مطبوع بقلة عدد الكهنة والخدام، وبعدم وجود منظمات كنسية خاصة بالعلمانيين، فضلا عن عدم توفر الوسائل والإمكانات اللازمة. فما كان على الكاردينال الكوبي إلا أن ينكبّ شخصياً على إنشاء إكليريكية تضم طلاباً من جميع أبرشيات البلاد، وقام البابا يوحنا بولس الثاني نفسه بوضع حجر الأساس ومباركة البناء الجديد الكائن في ساحة الثورة في وسط العاصمة، وذلك خلال الزيارة الرسولية التاريخية للبابا فويتيوا إلى الجزيرة في العام ١٩٩٨. في تلك المناسبة ألقى البابا البولندي كلمة سلط فيها الضوء على شخصية هذا الكاردينال – الذي اعتمر القبعة الحمراء من يده قبل أربع سنوات – وقال يوحنا بولس الثاني عبارة ما يزال العديد من الكوبيين يتذكرونها لغاية اليوم "يوجد في كوبا قائدان: كاسترو وأورتيغا". |