البابا فرنسيس: العائلة هي خلية المجتمع وهي أساسية في مِهنتيكم على حد سواء
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح السبت في القصر الرسولي بالفاتيكان صيادي الأسماك من مختلف أنحاء إيطاليا والمشاركين في المؤتمر الدولي لعالمية واستدامة الخدمات الصحية الوطنية في أوروبا، الذي عقد أمس في جامعة اللاتيران، وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحب بها بضيوفه وقال أتوجه إليكم أولاً، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء من عالم البحار، قبل أيام قليلة من اليوم العالمي لصيد الأسماك. إن نشاطكم قديم جدًّا؛ وترتبط به أيضًا بدايات الكنيسة، التي أوكلها المسيح إلى بطرس، الذي كان صيادًا في الجليل. ومع ذلك، هي تواجه العديد من الصعوبات اليوم. لذلك أود أن أقترح بعض التأملات حول قيمة ما تقومون به والرسالة التي تتضمّنها هذه القيمة.
تابع البابا فرنسيس يقول في الإنجيل، يجسِّد الصيادون مواقف مهمة. على سبيل المثال، المثابرة في التعب: يتمُّ وصف التلاميذ بأنهم "يجهدون في التجديف" بسبب الرياح المعاكسة، أو أنّهم يُمتحنون بسبب الفشل، فيما يعودون إلى البرّ فارغي الأيدي قائلين: "لقد تعبنا طوال الليل ولم نصب شيئا". وهذا هو الحال بالضبط: إن عملكم هو عمل شاق، يتطلب التضحية والمثابرة، إزاء التحديات المعتادة والمشاكل الجديدة الملحة، مثل التغيير الصعب للأجيال، والتكاليف التي تستمر في الارتفاع، والبيروقراطية التي تخنق، والمنافسة غير العادلة من الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات. لكنَّ هذا الأمر لا يثبط عزيمتكم؛ بل على العكس، هو يغذي خاصية أخرى من خصائصكم: الوحدة. أنتم لا تذهبون إلى البحر بمفردكم. لكي ترموا شباككم، عليكم أن تعملوا معًا، كطاقم، أو الأفضل أن تعملوا كجماعة، على الرغم من تنوع الأدوار فيها، يعتمد نجاح عمل كل شخص فيها على مساهمة الجميع. بهذه الطريقة، يصبح صيد السمك مدرسة حياة، لدرجة أن يسوع قد استخدمه كرمز للإشارة إلى دعوة الرسل: " اتبعاني أجعلكما صيادي بشر".
والآن أضاف الأب الأقدس يقول أتوجه إليكم أيها الإخوة والأخوات في عالم الصحة. إن الموضوع الذي تناولتموه في مؤتمركم يثير مسألة الحالة الصحية التي تجد الخدمات والأنظمة الصحية الوطنية في أوروبا نفسها فيها. إن مهمتكم هي أيضًا مهمة مُتعبة جهدًا وتتطلب معرفة كيفية العمل معًا كفريق واحد. ومع ذلك، أودّ أن أدعوكم لكي تتنبّهوا إلى جانبين آخرين من خبرتكم المعاشة. الأول هو العناية بالأشخاص الذين ترعونهم. في الواقع، من المهم ألا تنسوا أنكم أنتم العاملون في المجال الصحي أشخاص بحاجة إلى الدعم مثل الإخوة والأخوات الذين تعتنون بهم. إن تعب المناوبات المرهقة والهموم التي تحملونها في قلوبكم والآلام التي تجمعونها من مرضاكم تحتاج إلى الراحة والشفاء. لهذا السبب أحثكم على ألا تهملوا أنفسكم بل أن تكونوا حراسًا لبعضكم البعض؛ وأقول للجميع أنه من المهم أن تعترفوا بسخائكم وأن تردوا بالمثل من خلال ضمان الاحترام والتقدير والمساعدة.
تابع الحبر الأعظم يقول أما الجانب الثاني الذي أود أن أسلّط الضوء عليه هو الشفقة تجاه الأخيرين. في الواقع إذا كان، كما قلنا، ألا يوجد أحد مكتفٍ بذاته لدرجة أنه لا يحتاج إلى العناية، ينتج عن ذلك أنه لا يمكن أن يتمَّ تهميش أحدٍ لدرجة عدم حصوله على العناية. إن الأنظمة والخدمات الصحية التي أتيتم منها تحمل وراءها، بهذا المعنى، تاريخًا كبيرًا من الحساسية، لاسيما تجاه الذين لا يبلغهم "النظام"، وتجاه "المهمَّشين". لنفكر في عمل العديد من الرهبان القديسين الذين أسسوا لقرون عديدة المراكز للمرضى والحجاج؛ أو في شخصيات مثل القديس يوحنا لله، والقديس جوزيبي موسكاتي، والقديسة تيريزا دي كالكوتا: لقد كانوا جميعهم "أطباء حقيقيين"، أي رجال ونساء ينحنون على سرير الذين يتالّمون. وبالتالي فالدعوة التي أوجّهها لكم إذن، هي أن تنشطوا الأنظمة الصحية من الداخل، لكي لا يُترك أحد. إن الإنجيل الذي يعلّمنا ألا نخفي مواهبنا بل أن نجعلها تثمر من أجل خير الجميع، يشير إلينا أيضًا لكي يكون لنا، في ذلك، درب تفضيل للذين سقطوا ويرقدون على هامش الطريق. لقد صاغت اللغة اللاتينية، في هذا الصدد، كلمة جميلة: التعزية، con-solatio، التي تشير إلى الاتحاد "في العزلة، التي لا تعود بعد ذلك عزلة". هذا هو الدرب: أن نكون متحدين في العزلة لكي لا يكون أحد وحيدًا في الألم.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الأعزاء، أرى العديد من العائلات بينكم. أود أن أختتم بتذكير الجميع بأهمية العائلة، خلية المجتمع. إنها أساسية في مِهنتيكم على حد سواء. أولاً للتضحيات التي يتقاسمها أفراد عائلتكم معكم والتكيف مع جداول وإيقاعات عملكم المتطلبة، والتي ليست مجرد مهنة بل هي "فن"، وبالتالي فهي تشمل الشخص بأكمله وبيئته. ثم للدعم الذي يقدمه لكم أفراد عائلاتكم في تعبكم وغالبًا في النشاط نفسه. احرسوا علاقاتكم العائلية: إنها "دواء" سواء للأصحاء أو المرضى. إنَّ العزلة والفردية في الواقع تفتحان الأبواب لفقدان الرجاء، وهذا ما يجعل النفس، والجسد غالبًا، يمرضان. لذا، أتمنى عملاً جيدًا للجميع ولترافقكم العذراء مريم. أبارككم من كل قلبي. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلوا من أجلي.